السبت، 21 أبريل 2012

آهات عراقية ... كم دنيانا صغيرة وكم نحن فيها تائهون ...

نبراس الشباني ...


إنها ليلة صعبة جدا لم أتوقع إنها ستمر عليَّ بسلام حين تلقيت اتصالا من إحدى زميلاتي في العمل لتخبرني أن طيبة توفيت اعتقدت حينها أني لم اسمع جيدا لذلك قلت لها ماذا فأعادت عليَّ العبارة مرة أخرى فسألتها وأنا مندهشة كيف حصل ذلك فأجابتني إنها خرجت مع أهلها لتناول المثلجات وانفجرت على قربة منهم عبوة ناسفة ثلاثة من شظاياها قتلت الفتاة واستمرت بالحديث ولكني لم اعد اسمع شيء سوا صوت في داخلي كان يتعالى (( كم دنيانا صغيرة وكم نحن فيها تائهون )) بالكاد استطعت النوم والكوابيس تتوالى عليَّ حتى حان الصباح لم أكن على طبيعتي في ذلك اليوم فالأفكار كانت مزدحمة في راسي ، كانت أصعب لحظات حياتي هي حين توجهت أنا وزميلاتي إلى بيت أم طيبة التي هي الأخرى زميلتي في العمل وعند رؤيتي لها لم استطع إيقاف نفسي عن البكاء فقد كانت حالها صعبة جدا إنها كالتائهة التي لا تدري ماذا تفعل فتلقتنا وهي تصيح ها قد جاءت مدرسات طيبة وهمت علينا كي نجلس قبالتها لنواسيها على مصابها وهي تسال هل رأيتموها في المدرسة ؟ هل جاءت إلى الدوام خلسة وعويلنا يزداد ويزداد فقد كانت طيبة ذات الاثنا عشر ربيعا طفلة نشطة وضحكاتها وصوتها يملأ كل مكان وقد ورثت ذلك عن والدتها التي باتت لا تحس بشيء ولا تفكر إلا كيف تلتحق بابنتها متأملة أن يتسنى لها رؤية ابنتها مرة أخرى ، الأدهى من ذلك حين قدمنا إلى المدرسة في اليوم التالي بعد أن علمت الطالبات ما حصل لقد كانت المدرسة كئيبة جدا طالباتها متشحات بالسواد يتساءلن كيف قطفت زهرة من بينهن دون توديعها ، دون أن يهنئنها بنتيجتها لأنها كانت ستعفى إعفاءا عاما ، قامت زميلاتها بتزين كرسيها ولم تجرأ أي منهن بالجلوس على كرسيها ، لم نقم بإجراء امتحان في ذلك اليوم ولم نستطع إعطاء دروسنا بالشكل المطلوب وأقمنا لها وقفة حداد أثناء رفع العلم في يوم الخميس فمهما حاولنا النسيان كل شيء يعود ليذكرنا بزهرة الربيع تلك المتعلقة بالحياة حتى عند وفاتها حيث أخبرتنا أمها أنهم كلما حاولوا إغلاق عينيها تعود لتفتح من جديد ، إنها أيام عصيبة فعلاً نبهتنا جميعاً أن الموت يطرق كل الأبواب وفي أي وقت يشاء لذلك لا يجب أن ننسى هذا الأمر تحت مرغبات الحياة التي تزيد تعلقنا بها يوماً بعد يوم وكأنها حورية جميلة محملة بكنوز البحر التي ليس لها نهاية لكن تحت كل هذا علينا أن نعلم أن الدنيا نعيم زائل ومهما قلنا أو فعلنا فهو لا يعني شيء أمام ذلك المكان المظلم الضيق الذي لا ينفك يزداد ضيقا ليذكرنا كم كانت الحياة واسعة بنظرنا بالرغم من صغرها وكم نحن تائهون في هواها لا نستطيع تميز الصواب من الخطأ والضحية هم الزهور المشرقة التي تملأ حياتنا بعطر الربيع ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق